وُلدت مهناز أفريدي في باكستان وتعتنق الديانة الإسلامية، إلا إنها درست الديانة اليهودية وتاريخ اليهود، لذا تقابلت مع عدد من الناجين من الهولوكوست وزارت معسكر اعتقال داخاو إجلالاً للضحايا وتضرعاً لله من أجلهم. والآن فهي من خلال عملها، تحث الطلاب على دراسة الأديان والثقافات الأخرى.
نسخة كاملة مكتوبة
مهناز أفريدي: أعتقد أنه من الصعب أن يعي الناس أن هناك مسلمين أو يهود مهتمون حقاً بدراسة ديانات الآخر وثقافاته، وشغوفون بالتعرف على معاناته وآلامه.
أليسا فيشمان: مهناز أفريدي هي شخص مهتم بدراسة ديانات الآخرين وثقافاتهم. وقد وُلدت مهناز أفريدي في باكستان وتعتنق الديانة الإسلامية، إلا إنها درست الديانة اليهودية وتاريخ اليهود، لذا قابلت بعض الناجين من الهولوكوست وزارت معسكر اعتقال داخاو إجلالاً للضحايا وتضرعاً لله من أجلهم. وبصفتها أستاذ مساعد في الدراسات الدينية ومديرة المركز المختص بشؤون الهولوكوست والإبادة الجماعية والثقافة عبر الأديان بجامعة مانهاتن، فإنها تعمل على تشجيع طلابها على دراسة ديانات الآخرين وثقافاتهم.
مرحبًا بكم في "آراء حول معاداة السامية"، وهي حلقات لنشرة صوتية يتم بثها عبر الإنترنت، مأخوذة من المتحف التذكاري للهولوكوست في الولايات المتحدة، والتي خرجت إلى النور بفضل الدعم السخي "لمؤسسة إليزابيث وأوليفر ستانتون". معكم أليسا فيشمان. إننا نقوم بدعوة ضيف شهرياً للتحدث حول الطرق العديدة التي تؤثر بها معاداة السامية والكراهية على عالمنا اليوم. معكم مهناز أفريدي، من داخل حرم جامعة مانهاتن، في مدينة ريفرديل بولاية نيويورك.
مهناز أفريدي: رأيت إعلان عن وظيفة في كلية مانهاتن، وقد كانت أكثر من رائعة. فقد كانوا يبحثون عن شخص ليُعلّم الديانة الإسلامية، ويكون على علم بما حدث في الهولوكوست، على ألا تكون خبراته قائمة على الربحية، تماما مثل ما لدي من خبرة، وبالفعل تقدمت للعمل وحصلت على الوظيفة. أعني أن الوظيفة كانت مناسبة لي تماماً. لكن تعييني لم يكن سهلاً. فقد أثار الجدل بين الكثيرين. وقد أثار حفيظة اليهود على وجه الخصوص، بسبب زيادة عدم الثقة بين مجتمعاتنا. ويسألني الناس، "ما أكثر شيء أزعجك؟" فأجيبهم، "أكثر ما أزعجني هو الجملة التي قرأتها على إحدى المدونات: "إنك بذلك قد تضم إلى فريقك نازي جديد"، وقد مزّق ذلك قلبي إرباً. وكان هذا حقاً أمراً جلل فصحت: "يا إلهي، إنك تُشبّه المسلمين بالنازيين الجدد! يا له من شيء مؤسف!" وشعرت بما لهذا الأمر من أهمية بالنسبة لي في ذلك الوقت. وكان عليّ أن أغير هذا كله، عليّ أن أغير هذه الآراء.
ورغم إنني لست يهودية، فأنا على دراية بمثل هذه المشكلات، وأعلم أنه يُمكن أن يكون بيننا حوار من خلال الفهم الجيد للهولوكوست. وأعني بذلك أن الحوار عن الاختلافات وأوجه المعاناة التي لم يواجهها اليهود فقط، بل والمسلمون أيضاً هو حديث أكثر جدوى من مجرد الجلوس سوياً والحديث معاً عن الأشياء المشتركة بيننا عبر الأديان.
أعني أنني لا أستطيع الفصل بين المسلمين في أمريكا والإسلاموفوبيا عند التحدث عنهما. إذ يلزم عليّ التطرق للحديث أيضاً عن المعاداة للسامية، وكيف أنها لا تزال مشكلة أكبر من الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، ويتعجب الكثيرون حين أخبرهم بأن هذه هي الحقيقة التي أثبتتها الإحصائيات. لذا فمن الضروري أن يعي طلابي هذا الأمر. وببساطة، فإن اللحظة التي يعرف فيها طلابي ممن أدرس لهم الهولوكوست أن عدد الضحايا بلغ بالفعل ستة ملايين يهودي، هي ذاتها لحظة تكشّف الحقيقة أمامهم. إذ لم يكن لديهم أدنى فكرة عن أماكن اعتقال اليهود في معسكرات كالمغرب، وكيف كانوا يُمحون من على وجه الأرض في أي مكان طالته يد النازيين والحكومة الفاشية. ولذلك ففي رأيي، يجب أن تكون هذه اللحظة هي لحظة تكشُف الحقيقة للجميع. ولا أعلم لماذا هي ليست كذلك. لكنني أعتقد أن الطلاب حين يستمعون لك حق استماع ويفهمون ما يحدث بحق وما قد حدث في معسكرات الموت، فلا شك أن الطلاب المسلمين لا يشعرون بالأسى لما حدث فحسب، بل إنهم يسألون في شغف: "حسناً، ماذا حدث؟" ولماذا لم يُقدم أي شخص على فعل أي شيء؟" فقط كما يسأل أي طالب يهودي، أليس كذلك؟
وأعني بذلك أن الشباب حين يعي ويشعر بالتعاطف تجاه الآخرين بغض النظر عن هويته، فإنه يبدأ في التفكير بطريقة مختلف. وهذا لا يعني أنك تفقد إيمانك أو هويتك، بل إنك فقط تُغير رأيك بشكل مختلف وفريد من نوعه مما يُمكنك من فهم المسائل الشائكة في ديانات الآخرين وثقافاتهم.
وقد يبدو الأمر سخيفاً، لكن لا يزال الكثيرون يرون أنه لم يتم توثيق الهولوكوست بشكل كافٍ. وهذا لا يقتصر على المجتمع الإسلامي فحسب، بل يمتد إلى المجتمعات غير الإسلامية أيضاً، ممن يحاولون إنكارها. لذا فقد قلت لنفسي أنه عليّ أن أذهب لمقابلة الناجين من الهولوكوست بنفسي. وبالفعل طلبت ذلك من متحف توليرانس، وقد كانوا في غاية الكرم، وعرفوني علي بعض الناجين من الهولوكوست وقمت بمقابلة خمسة منهم في لوس أنجلوس. والطريف في مثل هذه المقابلات، هي رغبتهم هم في استجوابي. كما لو أنهم يقولون لي، "انتظري لحظة. لماذا تفعلين هذا؟ فأنتِ مسلمة." وكما أنهم يقولون أيضاً، "مهلاً، كيف تكوني مسلمة؟ ألا تتعرضين للاضطهاد؟" لذا، فما كان ممتعاً حقاً هو بدء الحوار. وبالرغم من أنهم كانوا من الناجين من الهولوكوست، وبطبيعة الحال، كانوا يكبرونني سناً وينتمون لجيل ومكان مختلفين في أوروبا، إلا إننا بدأنا نتعامل بمزيد من الود بطريقة فريدة من نوعها، لدرجة أن أحدهم احتضنني قائلاً: "أوه، با إلهي. لم يسبق لي أن احتضنت امرأة مسلمة." فرددت عليه، "وها أنا ذا، لسنا باردين المشاعر أو منعزلين كما تظن". وأتذكر تلك اللحظة التي نظر فيها كل منا للآخر، والتي قطعها هو قائلاً، "بلى". واعترى كل منا شعور بالراحة حين ضربنا بكل الصور النمطية عرض الحائط بشكل لم أكن أتوقعه أبداً. حقاً لم أتوقع أن يحدث أي شيء من هذا. وقد كان يشعر بمزيج من الدهشة والارتباك. ثم شعر كلانا بالراحة. كما لو أنها الطمأنينة.
ووفقاً لتعاليم الدين الإسلامي وما يأمرني به الله، فإن مسؤوليتي الأخلاقية تجاه غيري وتجاه الإنسانية، هي ألا أقبل بشهادة الزور، كما هو الحال لدى اليهود والمسيحيين، فكذلك يأمرهم الإنجيل والتوراة. لذا فإنني لا أتسامح مع المعاداة للسامية بين المجتمعات المسلمة. وأجد العديدين من حولي يعبّرون عن مشاعرهم المعادية للسامية، ولا يقتصر الأمر على المسلمين فقط بل غير معتنقي اليهودية بوجه عام ــ وكل هؤلاء غير مرحب بهم في حياتي. لأنني لا أتسامح مع ذلك، تماماً كما لو كانوا معادين للإسلام أو للمسلمين. ويلزم علي أن أطبّق ما تعلمته من القرآن في حياتي. فالمسلم الحق هو الذي لا يكتفي بالصلاة خمس مرات يومياً أو بالصيام أو بالحج أو بإيتاء الزكاة، إنما هو الذي يتصرف بإيجابية في مجتمعه.
وياله من شيء ممتع. فعندما تدرس ديانة الآخر وتأخذ ذلك على محمل الجد، فإنك بطريقة أو بأخرى ترجع إلى معتقداتك. وفي رأيي، فإن رسالة الإسلام محمّلة بالإيجابية تجاه اليهود. لذا فإنني ومن خلال تعاليم الدين الإسلامي، سأتحدث مع المجتمعات الإسلامية عن المعاداة للسامية البغيضة، والضغينة البشعة ضد الهولوكوست أو أي نوع آخر من أنواع إنكار الهولوكوست؛ لأنني أعتقد أن هذه هي إحدى الطرق التي ستمكننا من تحقيق السلام. فالمزيد من الأمل ينتظرنا، فقط إذا فهم كل منّا تاريخ الآخر وحقيقته.